إلى رحمة الله

 

هذه وفيات كان ينبغي أن أذكرها جريًا على العادة في حينها ؛ ولكنها فاتني أن أتحدث عنها وأذكر أصحابها في أوقاتها ، جراء ما شلغتني الأمراض والأشغال التي فرضت نفسها عليّ بحيث لم أتمكن من الانصراف عنها ؛ فمعذرة إلى القراء تجاه هذا التأخّر الذي اضطررت له :

1- البروفيسور أبو المبرد السيد عبد المغني رحمه الله

1354-1427هـ = 1936-2006م

 

 

 

  

 

  

 

 

       في صباح الثلاثاء: 11/شعبان 1427هـ = 5/سبتمبر 2006م وَافَى الأجلُ الكاتبَ والناقد الأردي والأديب الإسلامي البارز البروفيسور أبوالمبرد السيد عبد المغني بمستشفى بمدينة «بتنه» عاصمة ولاية «بيهار» حيث كان يتم علاجه من الفالج الذي ألمّ بمخّه . وصُلِّيَ عليه بعد صلاة المغرب بجامع ضريح الشاه أرزان ، و وُرِّيَ جثمانُه بمقبرة «شاه كنج» بالمدينة . وكان عمره لدى الوفاة 70 عامًا. وخلّف وراءه زوجتَه وبنتًا وابنين. رحمه الله وجعل الجنة مثواه .

        الفقيد البروفيسور عبد المغني الذي أَلَّفَ نحو 50 كتابًا قيّمًا في شتى الموضوعات الأدبية والتأريخية والإسلاميّة باللغات الأردية والإنجليزية، كان يتصدّر قمةَ المناضلين في سبيل الأردية ، وإعطائها حقًّا من الاعتراف والإنصاف ؛ فبفضل نضاله الكبير الذي زُجَّ خلاله في السجن ، رضيت حكومة «بيهار» – كأول ولاية من ولايات الهند – أن تعترف بها كلغة رسمية ثانية ؛ حيث وافق كبير وزراء الولاية آنذاك «جغان ناثا مصرا» الراحل على الإضفاء عليها صفة «رسمية» عام 1980م ، وأصدر الأمر بهذا الشأن ، الذي كان ساري المفعول بدءًا من عام 1981م . وكان ذلك إنجازًا تاريخيًّا بالنسبة للأردية في البلاد كلها . وشاطره السعي – للحصول على الاعتراف بالأردية كلغة رسمية ثانية – المغفور له الأستاذ الصحفي الكاتب «غلام سرور» (المتوفى يوم 17/ أكتوبر 2004م الموافق ليوم الأحد 2/ رمضان 1425هـ).

       البروفيسور عبد المغني الذي جمع بين العلم بالشريعة الإسلامية والعلم العصري؛ حيث تخرج رسميًّا من مدرسة شمس الهدى بـ«بتنه» ونال شهادة الفضيلة بالدرجة الممتازة ، كما أنهى دراسة العلوم العصرية واللغة الإنجليزية في المدارس والجامعات الحكومية واجتاز امتحاناتها بالدرجة الممتازة كذلك كان أديبًا باللغة الأردية والإنجليزية ، وكان يتقن العربية فهمًا كما يتقن الفارسية فهمًا ودراسة .

       ونظرًا لجهوده ونضاله الدؤوب في سبيل استعادة حقوق اللغة الأردية ، وركضه المستمر في سبيل الدفاع عن الإسلام وعن المدنية الشرقية ، التي كادت الحضارة الغربية تتغلب عليها في هذه الديار وتعلن انتصارها النهائي عليها لولا أبطال مجاهدون من المثقفين بالثقافة العصرية الغربية تثقيفًا عالياً امثال الدكتور العلامة محمد إقبال الشاعر الإسلامي الأكبر باللغة الأردية (1290-1357هـ = 1873-1938م) ، وأكبر الإله آبادي (السيد أكبرحسين 1262-1340هـ = 1846-1921م) ومولانا ظفر علي خان (1290-1376هـ = 1873-1956م) ومولانا محمد علي (1295-1349هـ = 1878-1931م) ومولانا شوكت علي (000- 1357هـ = 000-1938م) وغيرهم وكان من أخلافهم المهتدي بسيرتهم والمتبنّي لرسالتهم الدكتور عبد المغني والكثير من غيره الذين صمدوا ولايزالون في وجهها – المدنية الغربية – يعرّونها ويكشفون اللثام عن سوءاتها ويفضحون المنبهرين بها والمنادين باسمها .

       كان الفقيد ذا قامة فارعة بين الأدباء الإسلاميين المعاصرين في الديار الهندية . وإلى جانب ذلك كان يتمتع بسعة الدراسة ، وعمق التفكير، ودقّة ملاحظة العوامل التي قعدت بالمسلمين عن التقدم ومزاحمة الغرب. وكان يتبنّى مبدءًا إسلاميًّا وسطاً حتى في الأدب والنقد والكتابة، وكان يتمسك به ويدعو إليه بقوله وفعله وجميع مظاهر سلوكه الكتابي الممتاز بعلمه الجم ، ومعرفته الواسعة بعدد من اللغات ، إلى جانب استيعابه لعلوم الشريعة ، والتزامه بالدين مظهرًا ومخبرًا .

       وكان – رحمه الله – امتدادًا بشكل أوآخر للسلسلة الذهبية من عمالقة الأدب والنقد والتحقيق والفكر الإسلامي الأرديين الذين يتصدرهم في شبه القارة الهندية العلاّمة شبلي النعماني (1274-1332هـ = 1857-1914م) والخواجه ألطاف حسين حالي (1253- 1333هـ = 1837-1915م) والسيد سليمان الندوي (1302-1373هـ = 1884-1953م) وجكر المراد آبادي (1307-1380هـ =  1890-1960م) وحسرت موهاني (1298-1370هـ = 1880-1951م) ومولانا أبي الكلام آزاد (1305-1372هـ = 1888-1958م) ومولانا مناظر أحسن الكيلاني (1310-1357 = 1892-1956م) ورشيد أحمد الصديقي (1310-1397هـ = 1892-1977م) ومولانا عبد الماجد الدريا آبادي (1309-1397هـ = 1892-1977م) و مولانا السيد أبو الحسن علي الندوي (1333-1420هـ = 1914-1999م) وغيرهم .

       فكانت مهمته الأولى النطق بالإسلام والدفاع عنه وتكريس الأدب واللغة لعرض الفكر الإسلامي بالأسلوب الرفيع القوي الذي يداهم أفكار الأدب الماجن ويحطّم أعمدته ويهدم أوكاره، ويقارع أبناءه بسيف الحقيقة وسنان الصدق والبرهان . جزاه الله خيرًا عن كل ما صنع لنصرة دينه ومحاربة الباطل الذي بدأ اليوم يتقلب في أعطاف الخبث والشرّ في كل جزء من أجزاء الدنيا بفضل المادية الجامحة التي انتصرت بالتقدم العلمي الذي يقوده اليوم جاهليو القرن الحاضر الذين يحملون لواء الطغيان على كل قيمة إنسانية .

       كان معارضًا بشدّة بأسلوبه الأدبي القوي وشخصيته الأدبية النقدية العلمية القوية الممثلة للأدب الملتزم : الأدب الإسلامي، لكل أدب متحرر من القيم الإنسانية والمثل الدينية ، ولاَحَقَ بكثير من مواقفه أنصارَه ورجالَه من كُتّاب الأدب الخليع، والقصص والروايات الماجنة ، وكُتّاب الروايات والقصص المجردة من الخلفيات الواقعية ، غير الهادفة ، التي لا تتأسس على دعامة من الواقع الذي يعيشه المجتمع الإنساني. وكان مدافعًا قويًّا كذلك عن الشعر غير التقليدي، ومعارضًا للشعر الحرّ .

       وقد أنشأ لهذا الغرض خصيصًا مجلته الأدبية «مريخ» التي ظلّ يصدرها في «بتنه» رغم الظروف العصيبـة ورغم بعض الانقطاع الذي حالها. وذلك منذ عام 1968م . وظلت المجلة عاكسةً لوجهة نظره في الأدب والنقد، وكَثُرَ أنصاره في الرأي والاتجاه ، ونالت قبولاً واسعًا ، وكثرت مبيعاتها رغم مايشكو الأرديون قلةَ القراء دائمًا .

       والجدير بالذكر أن البروفيسور – رحمه الله – حَطَّمَ بعضَ المبادئ التي ظلّت تُعَدُّ مُجْمَعًا عليها في الأوساط الأدبية كلها . منها أنّ الشاعر الأردي الفارسي المعروف «غالب»  (الميرزا أسد الله خان 1212-1285هـ = 1797-1869م) يفوق الشاعر الإسلامي الأردي الأكبر العلامة الدكتور محمد إقبال في الروعة الفنية والدقة اللغويّة والبلاغة التعبيرية ، وأنه لايسبقه زمنًا فقط وإنما يسبقه كذلك فنًّا ، فلا يشق الدكتور محمد إقبال غبارَه في الفنية اللسانية، وإن كان يفوقه في علوّ البيان وفخامة التعبير وحماسة الأسلوب ودقة التصوير وكونه يحتضن رسالةً ويتبنى دعوةً ظلّ يسخّر شاعريته كلَّها لها ويُكَرِّس ملكتَه الأدبيةَ وقدرتَه التفكيريةَ المعجزةَ لطرح القيمة الإسلامية في شعره الشامخ الذي حقًّا يبدو كأنه يفوق «هملايا» في شموخه وارتفاعه . ولاشكّ أن «غالب» مجردُ شاعر ساحر بأسلوبه اللساني لايتبنّى دعوة يُبَلِّغُها بشعره، وإنما يقول الشعر لأنه مطبوع عليه، لافكاك له منه؛ فيأتي بروائع عجز عنها بالمجموع كلُّ من أتى بعده وفاق كثيرًا ممن سبقوه من الشعراء المفلقين .

       فأكّد في كتابه الشهير «فن إقبال» – بالأردية – أن الدكتور محمد إقبال يفوق «غالب» من حيث الفنّ والميزة اللسانية أيضًا ، ولايفوقه فقط من حيث الشموخ الأسلوبي والفخامة التعبيرية والعلو الفكري والسموّ الخيالي الذي يبدو كأنه يجوز الشهب . وأثار الكتابُ برأيه الجديد على الأدباء والشعراء ضجةً كبيرةً في الأوساط الأدبية الأردية ، وتحدّاه كثير منهم أن المؤلف لن يقدر على إثبات مايراه تجاه إقبال وتفضيله على «غالب» بالاعتبارين كليهما: الدقة اللسانية والشموخ الفكري ، وسيضعف عن ذلك إذا راح يقارن بين شعر كل من الشاعرين في دواوينهما الأردية والفارسية ؛ حيث إن غالب سيبدو منتصرًا على إقبال انتصارًا حاسمًا في عذوبة لغته ودقة تعبيره ولطف أسلوبه الذي يسحر به المستمع لأوّل وهلة ولايُحْوِجه إلى التأمل .

       فتأييدًا لرأيه ألّف الدكتور عبد المغني مقاله الضافي «المقارنة بين إقبال وغالب» بالأردية ، الذي نشرته مجلة «معارف» الأردية الأدبية الصادرة عن «دارالمصنفين» بمدينة «أعظم جراه» بولاية «أترابراديش» . وله أبحاث وكتب أخرى ألّفها في دراسة «إقبال» و«غالب» تؤكد كونه متعمقًا في دراسة الشاعرين العبقريين اللذين احتلاّ العالم الأرديّ بشعره العذب السامي. ويُعَدُّ كتابه «عظمت غالب» بالأردية جديدًا في دراسة «غالب» .

       ورغم أن الفقيد كان ذا انتماء قوي إلى «الجماعة الإسلامية» ولكنه كان يتمتع بانفتاح كان يليق بمثله؛ حيث كان مثقفًا من الطراز العالي الذي لايجد أيُّ نوع من الضيق سبيلاً إلى فكره أو سلوكه وأدائه في الحياة؛ فكان لايهمّه إلاّ الإسلام وقضاياه الكثيرة التي تشغل كلَّ مثقف مسلم واع مثله ، ولا تدعه يتخلّى حتى الموت عن التفكير في إيجاد طريق إلى حلّها ، فيختصر همّه في أن يُقَدَّرَ له أن يرى الإسلامَ يُغَالِبُ كلَّ حضارة – مثل الماضي – على وجه الأرض ، ويرى المسلمين منتصرين انتصارًا حاسمًا على جميع المتربصين بهم الدوائر .

محطات بارزة في حياته

الاسم : السيد عبد المغني .

الكنية : أبو المبرد .

اسم الوالد : السيد عبد الرؤوف .

تاريخ الولادة : 4/يناير 1936م = 9/ذوالقعدة 1354هـ  .

مكان الولادة : مديرية «أورنك آباد» بولاية «بيهار».

التعليم : اجتاز المراحل الدراسية الابتدائية كلها بالمدرسة الإسلامية بـ«أورنك آباد» بولاية «بيهار» والتحق عام 1949م (1368هـ) في الثاني عشر من عمره بالمدرسة الإسلامية المعروفة بـ«شمس الهدى» بمدينة «بتنه بالمرحلة الثانوية وتخرج منها عام 1953م (1372هـ) بالدرجة الأولى. ثم اجتاز امتحان المرحلة الابتدائية الرسمية بالعلامات الممتازة والتحق بكلية الآداب بجامعة «بتنه». وبعد ما حاز شهادة الليسانس، أدى امتحان الماجستير في أواخر عام 1960م (1380هـ) ونجح فيه بالدرجة الأولى .

المناصب : عُيّن عام 1961م (1381هـ) من قبل هيئة بيهار الخدمية معيدًا بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة «بتنه» ثم ترقى في الوظيفة حيث صار أستاذًا ، وأحيل إلى المعاش عام 1996م (1417هـ) .

       وكان قد حاز شهادة الدكتوراه خلال ذلك حول موضوع: «T.s. Eliont’s concept of culture» .

       وبعد تقاعده بشهور عين نائب رئيس جامعة «متهلا» بمدينة «دربنجه» بولاية «بيهار» .

الأعمال العلمية:

       أصدر مجموعة مقالاته الأولى عام 1964م ، وظل يكتبها وينشرها في المجلات السيّارة في الهند وخارجها منذ 1950م ؛ حيث سال قلمه حول الموضوعات الأدبية والاجتماعية والسياسية والفكرية إلى جانب الموضوعات الإسلامية في اللغتين الإنجليزية والأردية . وقد صَرَّح الفقيد بنفسه أنه صدرت نحو9 تسع مجموعات لمقالاته المختلفة المواضيع إلى جانب مُؤَلَّفاته المستقلة التي لاتقل عن 50 كتاباً . وكلها قيمة موضوعيّة مؤسسة على الدراسة الواعية والبحث الدقيق والفكر العميق ، ويزينها لغة عذبة، وطرح رائع، وأسلوب سلس أخاذ، يأخذ بمجامع قلوب القراء .

مؤلفاته الهامّة:

 

1-        نقطهء نظر – وجهة نظر – (مجموعة مقالات) 1965.

2-        جادة الاعتدال (مجموعة مقالات) 1972.

3-        قضية الأقلية المسلمة في الهند 1972.

4-        برناد شا 1976 .

5-        التشكيل الجديد (مجموعة مقالات) 1976.

6-        معيار وأقدار (مجموعة مقالات) 1981.

7-        إقبال والأدب العالمي 1982 .

8-        إقبال .. نظامه الفني 1985.

9-        T. S. Elionts: Concepts of culture 1986.

10-    تنقيد مشرق - انتقاد الشرق- (مجموعة مقالات) 1987.

11-    طرز تعليم 1987 .

12-    تصور الجنس لدى القرآن 1987 .

13-    التصوّرات (مجموعة مقالات) 1988.

14-    مجتمع ما بعد الصناعة والإسلام 1988.

15-    مولانا أبو الكلام آزاد: الفكر والسلوك 1989.

16-    الإرهابية والإسلام 1989.

17-          خدمات مولانا أبي الأعلى المودودي الأدبية 1989.

18-    الإعجاز الأدبي للقرآن 1989.

19-    أسلوب النقد (مجموعة مقالات) 1989.

20-    Islamic Civil Code 1989 .

21-    تنوير «إقبال» 1990.

22-    عظمة «غالب» 1990.

23-    فلسفة التاريخ لدى القرآن 1990.

24-    نظرية الثقة بالذات لدى إقبال 1990.

25-    أسلوب الكتابة لدى أبي الكلام آزاد 1991.

26-    فن قرة العين حيدر 1991.

27-    ارتقاء إقبال الفكري والفني 1991.

28-    تيبو سلطان 1991.

29-    The way of Islam 1992.

30-    Iqbal the poet 1992 .

31-    أورنك زيب رحمه الله 1992.

32-    لماذا ينبغي أن نتلو القرآن 1992.

33-    نظرية الكون لدى القرآن 1993.

34-    محمود الغزنوي 1993 .

35-    الزوايا النقدية (مجموعة مقالات) 1993.

36-    خريطة العمل المستقبلية للهند 1994.

37-    نمو النقد (مجموعة مقالات) 1998.

38-    الفنّ لدى غالب 1999.

39-    التغزل لدى «مير» 2000.

40-    Islam and Terrorism 2000.

41-    الدراسة المقارنة للحضارات 2001.

42-    شعر «فيض» 2001.

43-    التوظيف الحكومي للأردية في «بيهار»

44-    Translation of the Quran تحت الطبع.

45-    An approach to word history تحت الطبع.

 

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادى الأولى – جمادى الثانية 1428هـ = مايو – يوليو  2007م ، العـدد : 5–6 ، السنـة : 31.